لقد أبدع القائمون على هذه البرامج بمختلف أسمائها وأشكالها على مختلف وسائل إعلامنا باجتذاب إعداد وفيرة من المشاهدين والقراء والمتابعين لكل مجرياتها لحظة بلحظة ولاقت ترحيب حاراً ومكانةً عذبة في نفوس الملايين من المشاهدين من معظم فئات المجتمع الذين ساهموا بإنجاح هذه البرامج التجارية التي تمتص الكثير من أموالهم بطريقة ذكية من خلال إقحامهم على المشاركة بالتصويت والترشيح للمطربين والمطربات وأضاعت الكثير من أوقاتهم وأسرت عقولهم
بل امتدت هذه الأفكار لتصل للشعر وسخرته ليكون مادة تجارية رخيصة تثير السخرية وحطت من مكانته الأدبية واجتذبت الشعراء والشاعرات من كافة أنحاء الوطن العربي
وذلك يدل دلالةً واضحة على إن القائمين على هذه البرامج يتمتعون بذكاءً واسع وعبقرية كبيرة استطاعوا أن يحصدوا أموالاً طائلة من وراء هذه البرامج بالرغم من إن كثيراً من هذه الأفكار مستوردة في مضمونها إلا أنها نجحت نجاحاً ساحقاً
وليس ذلك بغريب فالعرب أذكى شعوب العالم وتاريخهم مليء بالإختراعات والإبداعات
ولكن السؤال هنا أين تذهب هذه الأموال التي تضاهي ميزانيات بعض الدول الإسلامية ؟
وهل سخرت في ما يفيد الأمة وأجيالها القادمة ؟
لا أحد ينكر أن تشجيع المواهب فكرة رائعة ولكن يجب أن تقدم إلى من يستحقونها من المبدعين والمخترعين والمفكرين من خلال إعلام ذا جوده عالية
لماذا لا يهتم إعلامنا العربي بمن هم يستحقون الاهتمام والتقدير والاحتفاء ؟
لماذا لا تكون هنالك برامج في القنوات الفضائية ووسائل الإعلام على غرار هذه البرامج الناجحة مثل ستار أكاديمي وسوبر ستار وبرنامج شاعر المليون وغيرها من البرامج التي أثبتت نجاحها للإهتمام بالعقول الموهوبة والمخترعين في كافة الحقول العلمية والأدبية والثقافية والطبية والصناعية وتكنولوجيا المعلومات ؟
وتهتم في أبناء وطننا العربي والإسلامي لتشجيع الموهبة الحقيقية وإبرازها وتوفير البرامج والمسابقات المناسبة لهذه العقول وأحتضانها لتبدع بإختراعاتها ويشارك فيها الجميع بالتصويت والدعم فعندها سوف تكتسب هذه البرامج شرعية كاملة حتى وان كانت تجارية
وتساهم ببناء مجتمع حضاري ناضج على قدر كبير من الثقافة والوعي ووضع لجان من أهل الإختصاص لتقييم الإختراعات والمخترعين والموهوبين وتنميتها وتكريم المواهب المبدعة التي تستحق التكريم .. وتشجيع الفرص الإبداعية ليواصلوا تحسين مهاراتهم والاستفادة من عقولهم بكافة المجالات .. وبإيجاد الحلول الممكنة لكافة قضايا المجتمع ومشاكل بعض دول المنطقة كالتضخم والفقر والبطالة والإسكان والتصحر والجفاف .. وحوادث السيارات التي تزهق ألاف الأرواح سنوياً والتلوث وتطوير المناهج الدراسية وتطوير الأفكار العلمية والرياضية والأدبية والتطوير في كافة مجالات تكنولوجيا المعلومات وغير ذلك ونقدم نماذج مبدعة من أبنائنا يلتمس الجيل القادم خُطاها .. وعدم ترك مسؤولية إكتشاف المبدعين والموهوبين على كاهل مراكز تنمية الموهوبين التي لا تجد دعماً كافياً في غالب الأمر ولم تترك بصمة واضحة في صقل هذه المواهب وإبرازها بالشكل المطلوب
ويجب ان نفرق ما بين الموهبة والتفوق العلمي
أن لدينا الكثير من المخترعين الذين قدموا دراسات وإنجازات وإختراعات لم يكتشفها الغرب والشرق ولدينا الكثير من المواهب التي لم تكتشف بعد ولم يحصلوا على نصيبهم من الدعم الإعلامي والمادي الذي حظي به اقرأنهم في الدول المتقدمة وما حضي به المطربين والمطربات والراقصين والراقصات من تغطيات إعلامية مكثفة واستقبالات تضاهي استقبالات رؤساء الدول بل لا تكاد تجد أخبار أولائك المبدعين سوى في الصفحات الأخيرة في بعض الصحف
ويوجد شريحة كبيرة من شبابنا العباقرة في مجالات كثيرة يستشعرون أنهم مهمشين ماديا ومعنويا وإعلاميا بحاجة إلى من يحتضنهم وينمي أفكارهم ويشعرهم بوجودهم ويعانون من فراغ ثقافي وحرمان في مجتمع لا يقدر سوى من لا يستحق التقدير
فالإبداع يندثر في المجتمعات المتخلفة التي لا تقدر العقول والأفكار النيرة ويكون مصير هذه العقول إلى الانقراض او الهجرة كما هو الحال في كثير من الدول العربية التي تعاني كثيرا من تنامي هذه الظاهرة
إن البرامج الشعرية السطحية والمسابقات الغنائية والفوازير الهابطة أسهمت بشكل مباشر بقتل الإبداع في شبابنا وانحدار الأمة وتغيير منهجها وتفكيرها وتأخرها عن ركب الحضارة والنمو
ودعم هذه البرامج لن يغير من واقعنا شيئاً وسنظل نقبع في مؤخرة الأمم إن استمر الحال على ذلك ناهيك عن ما تسببه هذه المسابقات من انسلاخ للأمة من ثقافاتها ومؤشر خطير لعودة الصراعات القبلية العصبية والعرقية كما أنها لا تخلو من الغش والتلاعب الذي ينكشف في نهاية كل مسابقة وأكل لأموال الناس بالباطل وصرفها في ما لا يسمن ولا يغني من جوع
كما أن نجومها لم يحرروا أرضاً ولم يشيدوا مجداً ولم ينصروا قضيتاً ولم يطردوا غازياً ولم يرفعوا اقتصاداً ولم يساعدوا معدماً آو فقيراً او يخترعوا برنامجاً او جهازاً لذلك لا فائدة من دعمهم ولا التصفيق لهم
وبالرغم من ذلك كله تجد الكثيرون منا يتساءلون متى يظهر لدينا مخترعين ومبدعين ؟
ونقول لهم كيف لنا آن نرى إبداعاً مع استمرار هذه البرامج الهابطة التي تقوم على وأد الإبداع والابتكار بوقت مبكر
إن الدول المتقدمة والدول الصناعية التي سبقتنا حضاريا وثقافياً وصناعياً في وقت قياسي لم تقم إلا على أيدي المبدعين من أبنائها أولتهم جل إهتماماتها وقطفت ثمرات هذه الرعاية التي ساهمت في تقدم هذه الدول علمياً واقتصادياً وسيطرتها على الأسواق العالمية ولم تقم على الرقص والطرب والأفكار الهابطة على الرغم من عدم وجود ثروات طبيعية لبعض هذه الدول
لقد أن الأوان في ضل عصر الثورة الإعلامية التي تدخل كل بيت بلا استئذان أن تبادر وسائل أعلامنا إلى تصحيح كامل وبإحداث تغيير جذري في المادة الإعلامية وابتكار برامج نافعة تلبى تطلعاتنا وتطلعات أجيالنا القادمة تدعم الأفكار العلمية والمعرفية التي تعود بالخير على العالم العربي وعلى الإسلام اجمع بدلا من الاستمرار في برامج مستهلكة لا تلبي حاجة المتلقي والمبدع والمفكر
قال الرسول : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )